في هذه الحلقة سياخذنا الكاتب في رحلة لفهم كيف ساهمت الانظمة المتخيلة في لناء الحضارات و تعزيز التعاون بي البشر
لم تكن الميزة المتفردة للغة الإنسان العاقل فقط قدرتها على نقل المعلومات عن الأشخاص أو الأسود أو الطرائد، بل في قدرتها على نقل المعلومات عن أشياء غير موجودة على الإطلاق.
ومع الثورة الذهنية، ظهرت الأساطيرو الخرافات لأول مرة.
مثال على ذلك
✅ العديد من الحيوانات والأنواع البشرية السابقة كان بإمكانها تحذير بعضها بعبارات مثل: “احذر، هناك أسد!”.
✅ لكن الإنسان العاقل استطاع أن يقول:
“الأسد هو الروح الحارسة لقبيلتنا!”
و جميعنا نتفق على أن الإنسان العاقل وحده هو من يستطيع الحديث عن أشياء غير موجودة و عن كيانات لم يشاهدها او يلمسها او يشمها ابدا ، وأن يؤمن بأفكار مستحيلة تمامًا، كما قالت أليس في بلاد العجائب:
“قبل الإفطار، يمكنني أن أؤمن بستة أشياء مستحيلة
يقول الكتاب انه
قد يبدو الخيال مجرد وسيلة للتضليل والإلهاء،
حيث لا يمكنك إقناع قرد بأن يعطيك موزة مقابل كمية ضخمة من الموز بعد الموت في “جنة القردة”!
وقد ترى ان فرص البقاء لانسان يبحث عن الجنيات في الغابة أقل من الإنسان الذي يبحث عن الطعام! وإذا قضيت ساعات تصلي لأرواح حارسة غير موجودة،قد يكون ذلك إضاعة لوقت ثممين كان يمكن استغلاله في البحث عن الطعام، اوالقتال من أجل البقاء، أو تعزيز علاقات الجماعة
و لكن في الواقع لم يكن الخيال مجرد وهم او تضليل او الهاء ؟ بل أنه القوة التي صنعت الحضارات حيث لم يمكننا الخيال من تخيل الأشياء فقط ، بل وأن نفعل ذلك جماعياً. يمكننا نسج أساطير شائعة مثل قصة الخلق التوراتية وأساطير وقت الأحلام عند الأستراليين الأصليين حيث منحت هذه الأساطير العقلاء القدرة غير المسبوقة على التعاون بمرونة في أعداد كبيرة. يمكن للنمل والنحل أيضاً العمل معاً في أعداد ضخمة، لكنها تفعل هذا بأسلوب متزمت ومع الأقرباء القريبين فقط. وتتعاون الذئاب والشنابز فيما بينها بمرونة أكبر من النمل، لكنها تفعل ذلك في أعداد صغيرة مع الأفراد الذين تعرفهم بشكل حميمي. ولكن يستطيع العقلاء أن يتعاونوا بطرق شديدة المرونة مع أعداد غير محدودة من الغرباء. ولهذا تمكن العقلاء من حكم العالم بينما يأكل النمل بقايا طعامنا وتحتجز شنابز في حدائق الحيوانات ومختبرات الأبحاث.
فقد غيّر الخيال الجماعي طريقة تعاون البشرو منحهم قدرة استثنائية مميزة و أصبح الانسان قادرًا على بناء مدن ضخمة وإمبراطوريات تحكم مئات الملايين فقد أظهرت دراسة في علم الاجتماع بانه لا يستطيع معظم البشر التعرف بشكل حميمي أو تبادل النمائم بشكل فعال مع أكثر من 150 شخصًا. و لكن بالخيال الجماعي تجاوز الانسان حدود النميمة و بنى المجتمعات الكبيرة من خلال القدرة على الاعتقاد بمعتقدات مشتركة.و هذه المعتقدات جعلت أعدادًا ضخمة من الغرباء قادرين على التعاون بنجاح دون الحاجة إلى معرفة شخصية مباشرة.
فكل تعاون بشري واسع النطاق—سواء كان دولة حديثة، كنيسة في العصور الوسطى، مدينة قديمة، أو حتى قبيلة غابرة—يعتمد على معتقدات مشتركة، أي أفكار موجودة فقط في الخيال الجماعي للناس.
⛪ فالكنائس تستمد قوتها من معتقدات دينية مشتركة.
🏛 و الدول تقوم على قوانين ورموز موجودة في أذهان المواطنين.
💰 و الاقتصاد الحديث قائم على الثقة بقيمة العملات الورقية التي لا تملك قيمة حقيقية بحد ذاتها.
و لم يعد الإنسان العاقل بحاجة إلى أن يكون قريبًا بيولوجيًا من شخص آخر حتى يتمكن من التعاون معه.بدلاً من ذلك، أصبح بإمكانه التعاون مع عدد لا نهائي من الغرباء، طالما أنهم يشتركون في نفس المعتقدات والقصص المشتركة.
فلقد تجاوزت قوة الخيال حدود الجينوم البشري، حيث انه كان أي تغيير جوهري في السلوك الاجتماعي ي قبل الثورة الذهنية يتطلب طفرات جينية، وهو مسار تطوري بطيء للغاية. لكن بعد الثورة الذهنية، أصبح الإنسان العاقل قادرًا على تغيير سلوكه بسرعة هائلة، و ببساطة عن طريق ابتكار قصص جديدة و راوياتها بين الناس و تعزيز الايمان المشترك و الجماعي بهذه القصص او المعتقدات الجديدة
📌 حتى أصبح لدى البشر مسار سريع للتطور الحضاري، متجاوزين العوائق الجينية التي قيدت بقية الكائنات.الحية
و على سبيل المثال التجارة ، الحقيقة هي أنه لا أحد من الحيوانات، بخلاف الإنسان العاقل، قد اشتغل بالتجارة. لأن كل شبكات التجارة البشرية عبر التاريخ اعتمدت على الخيال!
قد تبدو التجارة نشاطًا نفعيًا بحتًا، يقوم على المصالح المادية ولا يحتاج إلى أسس خيالية. لكن لا يمكن للتجارة أن توجد بدون ثقة. ومن الصعب جدًا الوثوق في الغرباء.
و بالرغم من ذلك تمكن الإنسان العاقل من بناء شبكات تجارية واسعة مع أشخاص لا يعرفهم عن طريق النظام المتخيل
ف شبكة التجارة العالمية اليوم تعتمد على ثقتنا بكيانات خيالية غير موجودة ماديًا، مثل:
• العملات 💰 (قطع ورقية لا تملك قيمة حقيقية لكنها ذات قيمة فقط لأننا نؤمن بها).
• البنوك 🏦 (مؤسسات افتراضية تدير أموالنا لكنها غير ملموسة).
• الشركات 📊 (كيانات قانونية ليس لها وجود مادي حقيقي، لكنها تتحكم في الاقتصاد العالمي).
📌 و في المجتمعات القديمة؟
عندما أراد غريبان في مجتمع قبلي قديم أن يتبادلا السلع، فإنهما غالبًا ما كانا يعززان ثقتهما المتبادلة باللجوء إلى إيمان مشترك، مثل عبادة إله واحد أو أسلاف مقدسين.
و حتى اليوم، تحتوي أوراق النقد على صور رمزية مثل:
• رموز دينية
• صور الحكام والأسلاف المقدسين
• رموز شركات عالمية كبرى
💡 إذن، لم يكن الخيال مجرد وسيلة للترفيه، بل كان الأساس الذي قامت عليه التجارة نفسها!
📌 ايضا ساعد الخيال في انتشار المعرفة؟
حيث إذا كان العقلاء الغابرين الذين آمنوا بهذه الأفكار الخيالية قادرين على تبادل التجارة عبر هذه الرموز، فمن المتوقع أنهم تمكنوا أيضًا من تبادل المعلومات بنفس الطريقة، مما أدى إلى خلق شبكة معرفية أعرض وأكثر تعقيدًا.
وهكذا، بفضل الخيال، لم يكن البشر قادرين فقط على تبادل السلع، بل أصبحوا قادرين على تبادل الأفكار وبناء حضارات عظيمة!
📌 اذن و باختصاركانت اهم اسباب تمكين هذا التطورالحضاري البشري؟
🔹 اللغة والخيال الجماعي حيث سمحا للبشر ببناء هويات مشتركة وقواعد اجتماعية تتجاوز العلاقات الوراثية.
و بدلًا من الاعتماد فقط على القرابة العائلية، أصبح بإمكان البشر الاتحاد تحت رايات القبائل، الأديان، الدول، والأيديولوجيات.
🔹 هذا ما مكّن الإنسان العاقل من السيطرة على العالم، بينما ظلت الأنواع الأخرى محصورة في مجموعات صغيرة تعتمد على العلاقات الوراثية فقط.
و يقول الكاتب عن النظام المتخيل نحن نؤمن بنظام معين ليس لانه صحيح بشكل موضوعي و لكن لان الايمان به يمكننا من التعاون بفعالية و يشكل مجتمع افضل فالانظمة المتخيلة ليست مؤامرة شريرة او سراب عديم الفائدة بل هي الطريقة الوحيدة التي تمكن اعداد كبيرة من البشر من التعاون بفعالية
و يمكن الحفاظ على النظام المتخيل فقط اذا امنت به بصدق شرائح كبيرة من السكان خاصة القطاعات الكبيرة من النخبة و قوات الامن
بحيث لايختل هذا النظام لو توقفت عن الايمان به فئة بسيطة من الناس
فما كان للديموقراطية الاميريكية ان تدوم ميتين و خمسين سنة لو توقف الرؤوساء و اعضاء مجلس الشيوخ و النواب عن الايمان بحقوق الانسان و ماكان للنظام الاقتصادي الحديث ان يدوم ليوم واحد لو توقف اغلبية المستثمرين والمصرفيين عن الايمان بالراسمالية
ماهي الطرق الاساسية التي تجعل الناس يؤمنون بنظام متخيل
اولا : عدم الاعتراف ان النظام متخيل و التأكيد ان النظام الذي يحافظ على المجتمع هو حقيقة موضوعية
ثانيا : التثقيف بشكل شامل و تذكيرهم منذ لحظة و لادتهم بالنظام المتخيل المتجسد في اي شيء و كل شي
ثالثا : دمج النظام المتخيل في العالم المادي في الحجر و الاسمنت و الصور و الملابس
رابعا: ان يشكل النظام المتخيل الرغبات حتى مايعتبرة الناس اكثر رغباتهم الشخصية يكون مبرمجا عادة من قبل النظام المتخيل
مثل النزعة الاستهلاكية التي تقول ان استهلاك بعض المنتجات او الخدمات سيجعل الحياة افضل
خامسا : ان يكون جمعي و يوجد في الخيال المشترك لالاف و ملايين الناس
اخيرا النظام المتخيل هيكل خفي شيد بهه الانسان عالمه ثم اصبح سجينا بداخله و يقول الكاتب
لاتوجد طريقة للخروج من النظام المتخيل فحين نهرب من اسوار سجننا و نركض نحو الحرية فإننا في الواقع نجري باتجاه ساحة اوسع لسجن اكبر
لم تنتهي القصة هنا انتظرونا الحلقة القادمة التي سنتحدث فيها عن واحدة من اكبر الخدع التي مرت على تاريخ البشر و هي الثورةالزراعية او فخ الرفاهية كما اسماها الكاتب
تعليقات
إرسال تعليق