في هذه الحلقة من سطرين و اكثر دعونا نتحدث عن لغة الانسان العاقل و نتكتشف معا كيف نشأت و كيف كانت نقطة التحول الكبرى في تاريخنا و كيف شكلت مصير العقلاء و جعلتهم حكام و اسياد الارض
يق ول الكتاب : قبل مائة ألف سنة، هاجرت بعض مجموعات الإنسان العاقل شمالًا إلى شرق البحر المتوسط، الذي كان إقليمًا يسكنه النياندرتال. لكنهم فشلوا في تأسيس موطئ قدم ثابت هناك. ربما كان السبب السكان الأصليين المتوحشين، المناخ العنيف، أو الطفيليات المحلية غير المألوفة لهم. ومهما كان السبب، انسحب العقلاء أخيرًا، تاركين النياندرتال سادةً للشرق الأوسط.
هذا السجل الضعيف في الإنجاز قاد العلماء إلى الاعتقاد بأن البنية الداخلية لأدمغة هؤلاء العقلاء الغابرين كانت على الأرجح مختلفة عمّا لدينا الآن. حيث انهم كانوا يشبهوننا، لكن قدراتهم الذهنية، مثل التعلم والتذكر والتواصل، كانت محدودة جدًا.
لكن لاحقًا، قبل حوالي سبعين ألف سنة، بدأ الإنسان العاقل بفعل أشياء مميزة جدًا. في ذلك الوقت، غادرت مجموعات من العقلاء إفريقيا للمرة الثانية، وتمكنوا هذه المرة من إجلاء النياندرتال، ليس فقط من الشرق الأوسط، بل ومن على وجه الأرض بالكامل.
وفي فترة قصيرة جدًا، وصل العقلاء إلى أوروبا وشرق آسيا، وقبل خمسة وأربعين ألف سنة، عبروا بطريقة ما البحر واستقروا في أستراليا، التي كانت حتى ذلك الحين قارة لم تطأها قدم بشرية.
شهدت الفترة بين سبعين ألف سنة وحتى ثلاثين ألف سنة مضت ظهور الاختراعات الأولى، مثل القوارب، المصابيح الزيتية، الأقواس والسهام، والخياطة. ويعود أقدم مجسم فني معروف إلى هذه الحقبة، كما يعود إليها أول دليل واضح على الدين، التجارة، والأنظمة الاجتماعية.
يعتقد معظم الباحثين أن هذه الإنجازات غير المسبوقة كانت نتيجة لثورة في قدرات العقلاء الذهنية.
و التساؤل ما الذي أحدث هذه الثورة الذهنية والطرق الجديدة للتفكير بين السبعين ألف سنة والثلاثين ألف سنة الماضية؟
🔍 النظرية الأشهر والأكثر قبولًا تقول إن طفرات جينية حدثت صدفة، غيرت التشبيك الداخلي لأدمغة العقلاء، مما جعلهم يفكرون بطرق غير مسبوقة، ويتواصلون باستخدام نوع جديد تمامًا من اللغة.
و يمكننا أن نسمي هذه الطفرة بطفرة "شجرة المعرفة"، وهي طفرة لم تكن سوى نتيجة لصدفة بحتة و يرى الكتاب انه ليس الاهم معرفة كيف حدثت، بل معرفة ما الذي ترتب عليها! وما الذي كان مميزًا في لغة العقلاء الجديدة ، ماهو هذا السر الذي مكّنهم من غزو العالم؟
ملاحظة : عند الحديث هنا عن لغة العقلاء، فإننا نشير إلى القدرات اللغوية الأساسية لنوعنا، لا إلى لغة معينة. فالإنجليزية، الهندية، الصينية، والعربية جميعها تنويعات على لغة العقلاءالاساسية وكما يبدو، فإنه حتى في زمن الثورة الذهنية، كان لمجموعات العقلاء المختلفة لغات مختلفة.
يقول الكاتب: لم يكن ذلك النظام التواصلي الأول، فكل حيوان لديه المقدرة على التواصل، حتى الحشرات مثل النحل والنمل تعرف كيف تخبر بعضها البعض عن مواضع الغذاء. ولم يكن كذلك النظامَ التواصلي الصوتي الأول، فكثير من الحيوانات، بما فيها كل أنواع القردة والنسّان، تستخدم إشارات صوتية. يستطيع ببغاء أن يقول أي شيء يمكن لألبرت أينشتاين قوله، وأيًا كانت الميزة التي تفوق بها أينشتاين على الببغاء، فهي ليست ميزة صوتية.
ما هو إذن الأمر المميز جدًا في لغتنا؟
الإجابة الأكثر شيوعًا تتمحور حول أن لغتنا مطواعة بشكل مذهل. إذ يمكننا أن نربط عددًا محدودًا من الأصوات والإشارات لننتج عددًا لا نهائيًا من الجمل، كل واحدة منها تحمل معنى مختلفًا. وكذلك، نستطيع أن نستوعب ونخزن ونتبادل كمية ضخمة من المعلومات عن العالم من حولنا.
يطرح الكاتب هنا مثالًا: يستطيع القرد الأخضر أن يهتف بأصحابه: "احذروا، هناك أسد!" لكن الإنسان العاقل يمكنه أن يخبر أصدقاءه أنه "في هذا الصباح، شاهد قرب انعطافة النهر أسدًا يتعقب قطيعًا من الثيران . ثم يمكنه أن يصف المكان بالضبط، مفصلًا الدروب المختلفة الموصلة إلى المنطقة. وبهذه المعلومات، يستطيع أصدقاؤه أن يفكروا معًا ويتناقشوا كيف يجب عليهم أن يقتربوا من النهر ويطاردوا الأسد ويصطادوا الثيران وهذه هي النظرية الأولى وهي نظرية نقل المعلومات بطريقة متفوقة عن باقي الكائنات الحية
الميزة الثانية: لغة النميمة
تؤكد النظرية الثانية أن لغتنا المتفردة تطورت كوسيلة لتبادل المعلومات ، ليس فقط عن العالم، بل عن البشر الآخرين. اي تطورت كطريقة لتبادل النميمة فالمعلومات الأهم التي استلزمت الإيصال لم تكن عن الأسود والحيوانات المفترسة، بل عن العلاقات الاجتماعية داخل المجموعة.
ووفقًا لهذه النظرية، فإن الإنسان العاقل كائن اجتماعي في الأساس، ويشكل التعاون الاجتماعي مفتاح بقائه وتكاثره. فمعرفة أماكن الأسود والحيوانات المفترسة لم تكن كافية، بل الأهم هو معرفة:
- من يكره من؟
- من ينام مع من؟
- من هو الصادق؟
- من هو المحتال؟
وإن كمية المعلومات التي يجب على المرء أن يحصل عليها ويخزنها من أجل تتبع العلاقات المتغيرة باستمرار بين عشرات الأفراد مذهلة جدًا. ففي مجموعة مكونة من خمسين فردًا، هناك 1,225 علاقة ثنائية، وعدد لا حصر له من التراكيب الاجتماعية الأعقد.
و يبقى التساؤل كيف ساهمت النميمة في تطور الإنسان العاقل؟
ساعدت المهارات اللغوية الجديدة التي اكتسبها العقلاء الحديثون في تمكينهم من تبادل النمائم لساعات، وأدت المعلومات الموثوقة حول من يجب أن يؤتمن إلى إمكانية توسيع المجموعات الصغيرة إلى مجموعات كبيرة، وتطوير أنواع من التعاون أكثر تعقيدًا وأمتن.
قد تبدو نظرية النميمة هذه مزحة، لكن عددًا كبيرًا من الدراسات يؤيدها. فحتى اليوم، تتكون الأغلبية العظمى من التواصل البشري - سواء كان على شكل رسائل إلكترونية، اتصالات هاتفية، أو مقالات صحفية - من نمائم!
و تظهر النميمة معنا بصورة طبيعية، بحيث يبدو كما لو أن لغتنا تطورت من أجل هذا الغرض بالذات.
يسالك الكاتب هل تعتقد أن أساتذة التاريخ يتحدثون عن أسباب الحرب العالمية الأولى حين يلتقون على الغداء؟ أو أن علماء الفيزياء النووية يقضون استراحات القهوة في المؤتمرات العلمية وهم يتناقشون حول الكواركات؟ أحيانًا، لكن في الأغلب، يتبادلون النمائم عن:
- الأستاذة التي أمسكت بزوجها وهو يخونها.
- الشجار بين رئيس القسم والعميد.
- الإشاعات عن زميل استخدم تمويلات بحثية لشراء سيارة اكزس
لذلك اكتسبت النميمة سلطة اجتماعية لأنها تركز عادة على الأفعال السيئة، وتجار الإشاعات هم أصل السلطة الرابعة، أي الصحفيين الذين يوصلون المعلومات إلى المجتمع، وبالتالي، يحمونه من المحتالين والمستغلين.
الخلاصة
الأرجح أن هاتين هي الميزتان الاساسيتان للغتنا
الميزة الاولى "هناك أسد قرب النهر".و هي القدرة على نقل المعلومات و استيعابها عن طريق سماعها و التخطيط بناء عليها و التعاون لتنفيذ هذه الاستراتيجيات
الميزة الثانية ميزة تبادل النمائم
اخيرا
قد تعتقد ان هذه فقط مزايا لغة الانسان العاقل و لكن يخبرك الكاتب ان الميزة المتفردة للغتنا ليست فقط في نقل المعلومات عن الأشخاص أو الأسود، بل في نقل المعلومات عن أشياء ليست موجودة على الإطلاق! 🚀
تعليقات
إرسال تعليق